
ذكريات مع الوالد بدر بن عبيد البدور
حلبت أشطر هذا الدهر تجربة وذقت مافيه من مر ومن عسل
فما وجدت على الأيام باقية أشهى على النفس من حرية العمل
(أبيات كان يرردها دائماً)
حوار وتدوين: خالد البدور
(ملاحظة قمت بتسجيل وبتدوين حكاية الأرض خلال عدة جلسات مع الوالد بدر ثم قمت بصياغتها من خلال ثلاث أجزاء)

موقع الأرض التي يتحدث عنها الوالد بدر في أعلى يسار الصورة في منتصف السبعينات
وتظهر في الصورة المحلات التي قام ببنائها وتأجيرها في الستينات، ثم قام ببناء البناية الموجودة حاليا،
ويسمى المكان حالياً ميدان بني ياس في ديرة، بدبي.

(حكاية الأرض)
ادعى ملكيتها ثلاثة أشخاص ولكنها عادت إليّ
جئت مباشرة وجلست على الرمل أمام الشيخ سعيد بن مكتوم،
وقلت له: يا طويل العمر، أنا عندي دعوى على ملكية الأرض
الجزء الأول
ادّعاء عبد الله محمد بن عبيد البدور
قال الوالد بدر: في أحد أيام الأعياد ذهبت مع والدي لزيارة عوشة بنت عبيد البدور أخت محمد بن عبيد البدور، وعمة عبيد (أبوعبد الحكيم). وهي في الشندغة عند قوم البسطي، (ما خذين بنتها). قالت عوشة لوالدي: ولد عمّي عبيد، أرضك اللي في الصبيخة من عنده (من يملكها)؟ قال لها: لا أعرف. ردت: هذه الأرض لوالدك بدر. رد عليها: لا أعرف عنها شيئاً ولا أعرف أين تقع.
قالت عوشة: الأرض في الصبيخة. وإذا كنت تريد أن تراها، فأذهب وستجد فيها امرأة من عائلة بن ضاحي. هذه المرأة تخاصمت مع أهلها. قلت لها: اذهبي إلى أرض ولد عمّي واسكني فيها. وفي ذلك الوقت لم يتم إنشاء مسجد بن مديّه بعد. وسكنت المرأة فيها.
عندما سمعت بهذا تفكرت في الأمر وقررت أن أرى الأرض بنفسي لأن والدي لم يفكر في الموضوع وهو مسكين لا يعرف شيئاً. أما أنا فقد كان لدي (ذكاوه وما خليتها تسير بلاش).
بعد بحث وصلت إلى موقع الأرض فوجدت أن الذي يسكنها هم (خدّام) البدور. وهناك أرض خالية لبن فيروز. دقّيت أبواب البيوت حتى وصلت إلى المرأة. ألقيت عليها السلام وقلت لها: أنا بدر بن عبيد ولد عبيد بن بدر. ردّت علي: حيّاك الله ولد عمنا.
في الظهيرة جئت إلى بيت عبد الله محمد بن عبيد البدور لتناول الغداء عندهم، وأمهم فاطمة. كنا في بعض الأيام خاصة في الأعياد والمناسبات نزورهم أنا ووالدي بشكل دائم. سألت عبد الله: الأرض التي بقرب مسجد بن مديّه، لمن؟ رد عليّ: هذه لنا. قلت له: لا، هذه الأرض لنا. قال: من أين تعرف أنها لكم. لا لا، هذه الأرض (ورقتها)، يقصد ملكيتها، للوالد. قلت له: الأرض لبدر بن سعيد، وليس لعبيد بن سعيد. قال: (اترك عن السوالف) ورفض وغضب، وطردني من البيت.
عندما حدث ذلك قررت أن أرفع دعوى لملكية الأرض. لذلك ذهبت إلى عبد الله أحمد بن كلبان وهو وكيل دعاوي. وأخبرته عن القضية. فقال لي: اجلب والدك، وبهذا بدأت بالدعوى عند القاضي الشيخ أحمد بن حسن الشنقيطي. في تلك الأيام لم تكن توجد محكمة بل قضاه يحكمون وهم في بيوتهم.
أما عبد الله بن محمد البدور فقد وكّل الشيخ أحمد بن سوقات (وهو خطيب الجمعة وشيخ وهو أبو حمد بن سوقات وخالته حصة بنت المر).
استمرت الدعوى لفترة من الوقت. وفي أحد الأيام وكنت في دكاني لبيع التمر، جاء الوكيل بن كلبان وقال: نحن مشينا في القضية و (مالكم فيها شيء). ولكن أبوك فقير وهذا (يقصد عبد الله البدور) غني. سوف يجري بينكم اتفاق صلح وسيعمل لكم (سوّيه)، أي تسوية مالية، فسيدفع مبلغ من المال مثلاً 400 روبية أو بشت أو أي شيء.
لم أقل له شيئاً حتى أنهى حديثه. ثم قلت له: الآن أنتم أهل الدعاوي، ولكن عبد الله كم أعطاك، (لازم عطاك بخشيش)، حتى تتنازل عن دعوانا وتحكم علينا.
و(تنازعت) معه وتمسكت بحقنا.
قال: سألغي الوكالة. فذهبت أنا إلى القاضي أحمد بن حسن الشنقيطي وألغيت التوكيل.
(أركض على)، يقصد اسرعت إلى، الشيخ سعيد بن مكتوم. وهو على علاقة جيده مع بن سوقات. قال أبا شهادة عيسى بن ثاني بالرقاد، والذي يسكن في الشارقة (مريوغ من دبي)، أي مطرود. واخذت الخط، وذهبت إلى القاضي سيف بن مجلاد في الشارقة حتى يُحضِر عيسى بن ثاني ويأخذ شهادته.
وصلت بيت القاضي وعرضت عليه الورقة. وكان رجلاً كريماً، فقال: أجلس وسوف تتناول الغداء هنا، وتقضي الظهيرة، ثم سنأتي بعيسى بن ثاني للشهادة. وفي العصر جاء، فسأله القاضي عن الأرض. قال: نعم. الأرض موجودة وهي لبن بدر. وقد بنى فيها بن مديه خيمة كمسجد ولم يقل له أحد شيئاً. لقد رأيت البناء بنفسي وقلت له: كيف تبني مسجداً في أرض ليست لك. فهذه نخيل بن بدر وهذه نخيل بن دعفوس وهي ملاصقة. ثم وافق محمد بن عبيد البدور على بناء المسجد. ولكن أنا لم أرخص بذلك. وقد جرى اتفاق أن يكون المسجد على أرض بن دعفوس وأن يكون الحوش في أرض بدر. وبهذا أنا (عفيت عنها) و(فصلها وكتب).
عندما خرجت من الشارقة، والتي كانت أرض خالية، ولم يكن فيها شيئاً في تلك الفترة، ذهبت إلى (الإستيشن)، موقف سيارات الأجرة، لكي أجد سيارة لنقلي إلى دبي. هناك وجدت عمير بن عبد الله بن سعيد. (وهو كذلك مريوغ من دبي)، وغانم الفلاسي. سلمت عليه. واخبرته بما جرى. قال: إذا الله نصرك عليهم وحصلت على الأرض، لا تفكر في بيعها أبداً. سوف يأتي زمان يُعرف الإنسان بأنه يمتلك أرضاً، في المستقبل ستأتي أقوام أخرى إلى هذا المكان، فلا تبيع. أما إذا تغلبوا عليك، ووصلت إلى (سيمه)، أي اتفاق مالي، خذ الورقة وهاتها عندي كي أراها.
أصبح القاضي يطلب وكيل عبد الله البدور، أي الشيخ أحمد بن سوقات، ولكنه لا يحضر. وتأخر الموضوع كثيراً. عندها قررت أن أذهب إلى الشيخ سعيد بن مكتوم. وفي أحد أيام الجمعة ذهبت إلى بيت الشيخ سعيد في الشندغة. فوجدت أنه (بارز)، جالس، في الخارج بالقرب من بوابة البيت في مواجهة خور دبي. ومعه مجموعة من الرجال، ووجدت أن الشيخ أحمد بن سوقات يجلس بالقرب منه. وهناك رجال آخرين منهم حمد الفطيم والغرير وبن غيث وأهالي الشندغة.
جئت مباشرة وجلست على الرمل أمام الشيخ، وكان هناك بعض البدو يجلسون بالقرب منا على الأرض. وكنت أفكر كيف أبدأ وما الذي سأقوله. ثم واتتني الشجاعة فقلت: يا طويل العمر، أنا عندي دعوى على ملكية الأرض عند القاضي. لكن الشيخ أحمد (وأشرت إلى بن سوقات) لا يحضر عند القاضي. ثم وجهت كلامي إلى الشيخ أحمد: يا شيخ أحمد، اتّق الله، وخاف الله، اليوم يوم جمعة وأنت الخطيب في المسجد، وسوف تخطب في الناس وتقول يا مسلمين لا تظلموا الناس، ولا تكونون مع الظلم والظالمين.
عندها قفز الشيخ أحمد واقفاً وقال: يا قليل الأدب...كيف تخاطبني هكذا، وغضب، ثم قام من مكانه ومشى مبتعداً. في هذا الوقت بقي الشيخ سعيد صامتاً. وبعد قليل قال: يا حمد ويا أحمد (يقصد حمد الفطيم وأحمد الغرير) خذ بدر وألحق بالشيخ أحمد وصالحهم.
وذهبنا خلفه إلى أن وصلنا البطين. ونادوه: يا شيخ...يا شيخ. عندما التفت ورآني معهم، توقف وقال: ليس لي ذنب، وسوف ألغي الوكالة، هذا (يقصدني) غير مؤدب.
وبالفعل تنازل عن الوكالة وقال: اذهب لوحدك وحل مشكلتك مع عيال عمّك.
وكنت خلال الدعوى آتي ظهراً إلى بيت عبد الله محمد البدور، وأتناول الغداء هناك، وكان عبد الله يقول: كيف ترفع دعوى علينا وتأتي للغداء في بيتنا. فأرد عليه: الدعوى في المحكمة، ولكن نحن أهل، وليس لي بيت هنا في ديرة، فوالدي ووالدتي في جميرا.
وحصلت على الحكم بملكية الأرض بشهادة عيسى بن ثاني.
الجزء الثاني
ادعاء الشيخ خليفة بن سعيد
قال الشيخ خليفة بن سعيد سأطلق عليك الرصاص،
وجهّز الشيخ سعيد بن مكتوم سيّارة وقال: اركب
وقد ادَّعى الشيخ خليفة بن سعيد كذلك أن الأرض لهم. والحقيقة أنها لنا ولكن الذي حدث أن الخادم بن فيروز جاء وأخذ قطعة من الأرض وسكن فيها وسوّى، أي بنى، فيها قهوة من جريد، وقد كان من خدّام بن ضاحي، ولكنه بعد ذلك زبن، أي لجأ، عند الشيخة حصّة بنت المر بن حريز. وقد جاء بن فيروز عند الشيخ خليفة بن سعيد آل مكتوم، وأدعى قائلا: هذي أرضنا واستولوا عليها البدور، وسكنوا فيها هم مع خدّامهم. وعندما توفي بن فيروز اعتبر الشيخ خليفة بن سعيد أن القهوة ملك أمه حصة التي كانت تملك الخادم بن فيروز. وقام بالاستيلاء عليها بوضع براميل على حدودها.
وجئت إلى مجلس الشيخ سعيد بن مكتوم وكان الشيخ خليفة موجود، وقلت للشيخ سعيد أن هذي الأرض لنا. صمت الشيخ سعيد، وقال الشيخ خليفة من وين حصلت على هذه الأرض؟ وقام بدفعي في صدري بعقب بندقيته قائلاً: إذا سمعتك تتحدث عن هذه الأرض مرة أخرى سأطلق الرصاص عليك.
كان المجلس مليء بالرجال، مثل بن فطيم وبن جمعان وبن عابر وبن غيث. وكانت عيني على الشيخ سعيد بن مكتوم، لكنه ظل ضامتاً، وكان يبدو عليه أنه غير راض مما حدث.
ارتعبت من تهديد الشيخ خليفة لي بالقتل، لهذا بقيت في مجلس الشيخ سعيد مكتوم لمدة ثلاثة أيام أنام وأصحو. وكنت أنتظره عندما يأتي هو للجلوس عصراً. وبقيت صامتاً، والشيخ سعيد صامت ايضاً. وقد عرف الجميع أنني مهدد بالقتل. وجاء إليّ والدي وقال: لماذا تفعل هكذا؟ تعال وأخرج، الله لا يبارك في هذه الأرض التي فعلت بك هكذا. دعها وأخرج.
لكني قلت له دعني ولا تخاف.
وبعد ثلاثة ايام جهَّز سائق الشيخ سعيد واسمه إبراهيم السيارة، وقال لي الشيخ سعيد اركب. وركبت السيارة وأنا لا أعلم إلى أين سيأخذني. ولم يكن يوجد جسر بين بر دبي وبر ديرة، فذهب بالسيارة إلى رأس الخور ثم وصل إلى منطقة ديرة وبالتحديد (الصبيخة)، (في ميدان بني ياس حالياً).
وقال لي: أين الأرض؟
أشرت بيدي نحو البراميل وقلت: هنا يا طويل العمر الأرض، وقد أحاطها الشيخ خليفة بالبراميل.
ثم تحرك بسيارته، ومر على مجموعة من الرجال. ونزل من سيارته بلحيته الكبيرة البيضاء لكي يسلم عليهم. وكانت مفاجأة كبيرة لجميع الناس، لأن الشيخ سعيد لم يأتي إلى هذه المنطقة من قبل.
ثم أتى بي السائق إلى منطقة الفهيدي ونزلت وعدت إلى مجلس الشيخ سعيد. وفي صباح اليوم التالي عندما حضر الشيخ سعيد ونادى علي وقال: أنت ماذا تعمل؟ قلت له أنا عندي دكان صغير لبيع التمر. ثم سأل: ومن يعمل فيه الآن؟ قلت: لا أحد فهو مغلق. قال: اذهب وأفتح دكانك. قلت له: لا أستطيع أن أخرج، أنا خائف من الشيخ خليفة، الذي هددني بالقتل بالرصاص. قال اذهب وأفتح دكانك وعليك أمان الله. فارتحت لأن حاكم البلاد قد أعطاني الأمان.
عبرت إلى منطقة ديرة وذهبت إلى أهلي، وفي اليوم التالي ذهبت صباحاً وفتحت الدكان. وبعد أسبوع وقد كنت في الدكان وكان معي المرحوم راشد بن يديده، وأتذكر أنني كنت أعرض تمراً للبيع على رجل بدوي، فإذا بسيارة بها الشيخ خليفة بن سعيد وكان لوحده، وقال لي أصعد إلى السيارة.
خفت وقال لي راشد لا تذهب. رددت على الشيخ خليفة: لا أستطيع أن أذهب عن دكاني. قال: تعال ودكانك سوف تعود إليه.
وذهب بي إلى منطقة الأرض ونزل وقال وين أرضك؟ أشرت للأرض. قال: هذه أرضك وهي ملك لك. عندها لم أصدق واجتاحتني فرحة غامرة، وشكرت الله تعالى. ثم قلت: إذا كان الشيوخ يرغبون في الأرض، فأنا أتنازل عنها لهم.
رد علي: لا. ثم ذهب. وبعد قليل عاد وقال: عندما تفكر ببيع الأرض تعال إلي. وكان هناك رجال فسلم عليهم ثم أعادني بسيارته إلى الدكان.
وتمت إزالة البراميل من حول الأرض.
وقد عرفت بعد ذلك أن الشيخ سعيد قال نحن ليس لنا أرض في ديرة، ثم منح الشيخ خليفة أرض بيت الرئيس عوضاً عن الأرض التي عادت إلي.
الجزء الثالث
ادعاء الشيخ راشد بن سعيد
قال الشيخ راشد احملوه وأرموه في الطريق
كان جمعة بن عبد الله بن عفيرا على علاقة جيدة مع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم. وقال له أن الأرض ليست أرض بن بدر. إن أرض بن بدر داخل أما الجزء المطل على الشارع فهي ليست له. وفي الحقيقة أنه عندي ملكية بحكم القاضي وهي ممهورة بمهر الشيخ سعيد بن مكتوم. من الجنوب الشارع ومن الشمال قوم بدري. وكان عند الشيخ راشد محمد العويص ومحمد الشارد. قال له الشيخ راشد اذهب إلى أرض بن بدر، وأبني جدار من بيت بن عوقد إلى المسجد.
وقد كنت في دكاني لبيع التمر وجاءني محمد الشارد الذي كان في نفس الوقت صديقي وقال: لدي أمر من الشيخ راشد أن ابني جداراً يحيط بالأرض فما هو رأيك؟ قلت له: لا أدري. قال كذلك أنك لا تستطيع مقابلة الشيخ راشد لأنه ذهب للمصيف في منطقة الخران برأس الخيمة، فإذا استطعت اذهب له واجعله يأمر بوقف بناء الجدار.
في صباح اليوم التالي ذهبت إلى أقربائي عبيد ويوسف وأحمد البدور. قلت لهم أن الشيخ راشد أمر بهذا الأمر، فما رأيكم أن نذهب جميعاً إليه. ردوا علي أنهم لن يذهبوا، لكن إذا رغبت في الذهاب فسنعطيك (النول) أي أجرة السيارة إلى رأس الخيمة. رددت عليهم أن السيارات كثيرة، وحاولت أن أقنعهم إلا أنهم أصروا على الرفض.
وكانت سيارات الشيوخ تذهب وتعود من رأس الخيمة. فركبت في إحدى السيارات حتى وصلت مجلس الشيخ راشد في الخران و "أنا في ولوال"، أي في حيرة وقلق. واحضروا الفطور وأنا عيني على الشيخ راشد، وكان هو ينظر إليّ.
بعد ذلك اقتربت منه وقلت له يا طويل العمر أن الأرض هي أرضنا. فرد علي أن جمعة بن عبد الله بن عفيرا يقول أنها ليست لكم.
وكان في جيبي شهادة بحكم القاضي بملكيتي للأرض. فأخرجت الورقة وعرضتها عليه وبدأ يقرأها. في هذا الوقت داهمني الخوف واحسست كما لو أن جداراً أسود وقع بيني وبين الشيخ.
قلت في نفسي: ماذا لو أخذ الشيخ مني ورقة الملكية، ليس لدي نسخة منها. وبدأت أدعوا الله أن يعيد الورقة لي. وبعد أن انتهى من القراءة اسقط الورقة أمامه والتفت إلى أحد الجلوس وخاطبه في موضوع آخر. وبكل سرعة خطفت الورقة من على الأرض، ووضعتها في جيبي.
كان الشيخ سعيد والد الشيخ راشد لديه مزرعة ومصيف في (شمل). ومن عادة الشيخ راشد أن يذهب إلى والده. وعندما تحرك بالسيارة ركبت أنا من الخلف مع مجموعة من الحرس. وانطلقت بنا السيارة. وكان لدى جمعة بن عبد الله بن عفيرا مزرعة نخيل في الطريق إلى (شمل)، وقد بنى فيها عريشاً من جريد النخل.
أوقف الشيخ راشد السيارة بالقرب من مزرعة بن عفيرا. وقال: انزل. رفضت النزول. وقال للحراس احملوه وأرموه في الطريق. وحملوني ورموني على الأرض الطينية القاسية وانطلقت سيارة الشيخ تاركة الغبار خلفها ليلفني.
وقد اعتقد الرجال الجالسون في عريش جمعة أن الشيخ راشد رمى بشيء من سيارته. وعندما اقتربت شاهدت جمعة بن عفيرا واقفاً عاري الصدر لابساً إزاراً فقال: ما الذي أتى بك إلى هنا؟ قلت له: أنت الذي أتيت بي إلى هنا.
ثم رد بالقول الغريب: إن الشيوخ ظالمين.
ثم جاءت سيارة الشيوخ لتأخذ جمعة إلى الشيخ راشد فركبت معه. وعطنّا الخران مع الشيوخ، وقد كان الشيخ سعيد جالساً في ظل لوزة وأمامهم الرطب.
بقيت صامتاً، وقبل الظهر عاد الشيخ راشد إلى الخران وعدت معه.
وجلست. ثم قلت للشيخ راشد أنا سأذهب يا طويل العمر. قال: اذهب. ثم صمت. بقيت جالساً. وأتذكر أن الرجال الذين معه قالوا لي: الشيوخ يقولون لك اذهب. ولكني رفضت الخروج. بقيت مدة ثلاثة أيام، كلما حضر الشيخ راشد وجلس، احضر وأجلس في المجلس، منتظراً رده. بعد ذلك أصابني الملل وقررت أن أوكل أمري إلى الله، فركبت في إحدى سيارة الشيوخ وعدت إلى دبي.
كان محمد العويص مكلف بحماية دار للسينما في ديرة بالقرب من ميدان بني ياس. حيث كان الشيوخ يعرضون بعض الأفلام للجمهور. وكان دائماً يجول ببندقيته. وقد أحضرني السائق خادم الشيوخ بالسيارة وأنزلني بالقرب من المكان. ورأيت العويص فسلمت عليه وسألني من أين أتيت، ثم قال: جاءنا أمر من الشيوخ، يقول: دعوا أرض بن بدر، وأن الأمر قد وصله منذ يومين.
بهذا انفرجت المشكلة وعادت الأرض أخيراً لي.