top of page

 في مجلس الحاج بدر بن عبيد البدور     

 

رمضان.. في صحن الحرم ورحلات سنوية للحج والعمرة

 

مقابلة أجراها عبد الله عبد الرحمن

وقد نشرت في صحيفة الإتحاد ثم في كتاب الإمارات في ذاكرة أبنائها

 

 

بدر عبيد البدور واحد من أولئك الذين يعود تاريخ علاقاتهم الأولى بالرحلات الجماعية لمكة إلى قبل 26 سنة يومها كانت وسيلة السفر هي "الأبوام" التي كانت تغادر موانئ دبي محملة بالحجاج إلى الدمام بالمملكة العربية السعودية ومن ثم يتولى مقاولون أمثال الشيخ علي المرزوقي أو عبد الوهاب بن جرينيس وأخيه عبد الرحمن تنظيم نقل الحجاج من الدمام إلى مكة.

أما في دبي فقد عرف الحجاج (أبوام) محمد بن حشر، الشيراوي، وبوم سعيد بن مطر بن لاحج وابراهيم بن دحلوج وأخوه خليفة. ومع الوالد والوالدة والرضيعة كنا نستقل واحدة من تلك (الأبوام) ونسافر للحج سنوياً فيما بعد عرض علي إبراهيم بن دعلوج أن أساعده في جمع الحجاج من المعارف والأصحاب للسفر معه وعلى تلك المهمة قضيت عدة مواسم للحج حتى تعرفت في إحدى رحلات العمرة على الشيخ علي المرزوقي ومعه عملت عدة سنوات يومها لم تكن أعداد المعتمرين تزيد عن 10- 12 شخصاً فيما بعد زاد العدد إلى 30 -40 نفراً، أما بعد أن توفرت المواصلات الحديثة وخاصة الطائرات فإن أعداد المعتمرين الذين تنظم لهم إجراءات رحلاتهم وإقامتهم طوال شهر رمضان بجانب البيت العتيق لا تقل عن ثلاثمائة معتمر ومن بينهم عائلات.

وهذا العدد هم أصحاب هذه (الجوازات) التي تراها أمامي وهناك نسبة أخرى مضاعفة مع مقاولين آخرين في أنحاء الإمارات.

وبالنسبة لي فمنذ 13 سنة متواصلة لم (أمض) أي أقضِ رمضان في دبي بل في مكة المكرمة ونعود بعد صيام الأيام الستة الأولى من شوال.

 

ويستطرد الحاج بدر البدور موضحاً.. إن قضاء رمضان الفضيل في مكة المكرمة دين ودنيا هناك وانت بقرب الحرم لا يشغلك شيء عن الصلاة والطواف والعبادة والقرآن والاستفادة من الجلسات المسائية التي يحييها علماء من كل أطراف الدنيا من الجزيرة ومن ليبيا ومن مصر ومن تونس ومن موريتانيا ومن الشام ومن غيرها من البلدان والبقاع. أما رمضان في البلاد ما بين الأهل والأقارب والأصحاب فهو تمتع بنعيم الحياة.

 

كما أن تجربتي مع الحج والعمرة أكدت لي مصداقية قول الرسول صلى الله عليه وسلم والإيمان به حيث بشر قائلاً:

"بشِّر الحاج بالغنى.. والزاني بالفقر" فالحقيقة أن الله سبحانه وتعالى مدنا بنعمه بسبب ارتباطنا بالحج وأنا مؤمن بأني اغتنيت من الحج وصدقت بشارة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا بد من التوضيح بأن المصدر لم يكن تعاطي مقاولات الحج كما أنه ليس من المعقول "أن تسافر" إلى مكة وتجلب مالاً" بصراحة إن رحلات مقاولات الحج ليست بها مصالح مادية زائدة فهناك الكثير من المقاولين الذين قضوا سنوات  طوالاً في هذه المهمة دون فوائد وأرباح تستحق الذكر فهذا بن دعلوج عمل قرابة 20 سنة مقاولاً للحجاج وحينما ترك كان خالي اليدين ولعله كان مديوناً أيضاً، وعبد الوهاب بن جرينيس كذلك، الآن هذا صالح بن لاحج مقاول معروف ولكنه يؤكد لي بانه لا يجني أرباحاً مجزية..لكن الإنسان إذا هوى شيئاً وتعلق به يمارسه ويتعاطاه عملاً ولو بدون أجرة أو مقابل ملموس.

 

ويتذكر الحاج بدر الماضي ليقول: إن رحلات الحج في الماضي كانت كثيرة المشاق، إذ كان بعض رجال البادية يقودون الحجاج على ظهور الإبل من دبي إلى مكة في رحلات تستغرق ستة أشهر وكثيرون الذين ماتوا ولم يحجوا بسبب تلك المشاق فنحن هذه السنين نحمل قرابة 15-20 حجة عنهم رحمهم الله فالبعض يدفع عن ابيه وعن امه وقد كنت احمل الحجة الواحدة باربعمائة أو خمسمائة روبية أما الآن فتصل التكاليف إلى ستة آلاف درهم.

المهم انه بفضل رحلات الحج هذه حقق الله لنا بشارة رسوله وطرح البركة في المعاملة فلقد كانت عندنا في السابق تجارة ضعيفة ولكن أثر كل عودة من الحج بربح لا يزيد عن 4 – 5 آلاف روبية يعوضك الله بستين ألفاً إلى سبعين ألفاً من مجالات أخرى، فقد تشتري لك قطعة أرض وتبيعها باضعاف أضعاف سعرها وفي هذا النشاط الذي دب في تجارة العقارات خلال الفترة من 76 – 78 كسبنا خيراً وفيراً ولله الحمد فقد اشترينا وبعنا واشترينا وعمرنا قرابة 7 – 8 بنايات في دبي.

ويضيف الحاج " إلى تلك الدوافع والمميزات لرحلات العمرة وقضاء رمضان بين أحضان الحرم المكي الشريف فيقول: إنها أيضاً هواية وعادة تترسخ في وجدان الإنسان بعد رحلتين او ثلاث فيجد نفسه متلهفاً للمواظبة عليها في كل موسم. ونلفت النظر مثلاً إلى أولئك الذين اعتادوا السفر إلى الهند أو إلى بلدان أوروبا للاستجمام هؤلاء تجدهم ستة أشهر في البلاد وشهراً في بومبي مثلاً أو 4 شهور هنا، و15 يوماً في لندن أو باريس وهكذا.

 

سياحة وتجارة ومعارف

 

  • تلك عادة وميلان واتذكر تجربتي الخاصة في هذا الصدد قبل اعتيادي على رحلات الحج حيث كنت والوالد والعيال ننتظر بفارغ الصبر انتهاء العام الدراسي لنشد الرحال إلى الهند ونقضي في بومبي وميرج وميسور شهوراً أربعة من كل عام.

وذلك بالرغم من أننا لم نكن عرفنا مطارات او خطوطا جوية في ذلك الوقت، لقد كنا نستقل مراكب تجارية تابعة للشركة الهندية البريطانية مثل "دارا" "ودانا" "ودريسا" وهي المراكب التي انقرضت الآن وعلى ظهرها كنا كثيراً من العوائل من تجار الإمارات يتنقلون ما بين دبي والهند وأذكر أن تذكرة المركب كانت تكلف 120 روبية للشخص الواحد وأربعمائة روبية للغرفة العائلية.. كما ان الايجارات والمعيشة في الهند كانت رخيصة يومها إذ كنا نستاجر غرفا من "المسافر خانة" ببومبي بمائة وسبعين روبية في الشهر الواحد، وكثيراً ما كنا نغطي نفقات رحلاتنا السياحية إلى الهند حيث كنا نحمل معنا من أسواق دبي بضائع متنوعة في صناديق وكراتين" ومزامي" وتكون عبارة عن أقمشة "وبنطلونات" وأقلام وساعات وغيرها وتقدر بخمسة عشر ألف روبية لنبيعها هناك بثمانين وتسعين ألف روبية هندية.. ذلك إن تلك البضائع لم تكن تتعرض لرسوم جمركية إذ تحسب ضمن حمولة العائلة الخاصة.

 

وعند العودة إلى البلاد نجلب معنا دهن العود و الوزرة والغتر والهيل والعطور للاستهلاك الخاص وايضا للبيع ثم انقطعنا عن تلك الرحلات حين اعتدنا متعة وفوائد رحلات الحج والعمرة كما ان صيف هذه السنين يتصادف مع رمضان ومن بعده موسم الحج والاستعداد له.

 

  • ويقطع حبل الحديث مع الحاج بدر مكالمة هاتفية يخبرنا أنها تذكر بموعد حفلة الغداء المتفق عليها مع رفقاء رحلة العمرة المؤخرة التي تمت في شهر رجب الماضي ثم يوضح أنها عادة اجتماعية عربية معروفة منذ البعيد ومازلنا محافظين عليها. وتقضي تلك العادة بانه إذا اشترك مجموعة من الرجال في سفر ولأية وجهة كانت فإنهم في طريق العودة يحددون موعداً لوليمة يقيمها أحدهم يجتمع خلالها شمل رفقاء السفر يعيدون خلالها ذكريات الرحلة ومواقفها وتجاربها ثم تزداد العلاقة والروايط توثيقاً فيما بينهم وفي تلك الوليمة يتحدد موعد آخر لوليمة مماثلة في بيت رفيق آخر.

 

وهكذا بالتناوب كما أن مشاركة أحد الجيران في الوليمة تلزمه باستضافة الجماعة على وليمة مماثلة في موعد لاحق.

تلك هي عاداتنا بعد كل رحلة عودة من الحج أو العمرة وفي السابق من الهند وغيرها..وتحتوي الوليمة عادة على ذبيحتين أو ثلاث ذبائح من الغنم إلى جانب الأرز والفواكه وغيرها.

 

تجارة البترول

 

  • الحاج بدر عبيد البدور البالغ من العمر 65 عاما يعمل هذه السنوات تاجرا لقطع غيار السيارات ويدير أعماله التجارية بنفسه.. فما هي ياترى علاقته بهذه النوعية من التجارة الفنية وكيف البداية ومتى؟

 

  • قبل اكثر من ثلاثين سنة كانت منطقة جمال عبد الناصر موقفا لسيارات الاجرة المتنقلة بين دبي والشارقة كما ان هذا الشارع كان يسمى شارع السينما نسبة إلى أول دار للسينما أنشأها مرشد العصيمي. وعلى هذا الشارع وبالقرب من موقف السيارات كنا نمتلك قطعة أرض تجارية يومها كنت تاجرا للتمور حين عاد إلى البلاد ابن أختي قادما من الدمام وبرأسمال يبلغ 700 روبية فقررنا استيراد البترول والديزل وتوزيعه على سيارات الأجرة وفعلاً تم ذلك بأن أقمنا محلاً على تلك القطعة من الأرض وكان البترول يصلنا من البحرين ومن عبدان الإيرانية في براميل ويستوردها في "لنجات" عبد الله عوضي قرقاش وخليفة سلطان اما الموزعون الآخرون فكانوا علي المزروعي وراشد مسمار وعمر بن حيدر. وكان سعر البرميل البترول 75 روبية بينما برميل الديزل 36 روبية وكنا نبيع الجالون الواحد بروبية ونصف للبترول وروبية واحدة للديزل (الكيروسين).

 

ولم تكن الأجهزة الحديثة قد وصلتنا بعد لذا فقد كنا نستعمل "الشفاطات" البدائية لسحب البترول من البراميل لنملأ بها صفائح معدنية ومنها بواسطة مصبات معدنية نسكب مافي الصفائح في السيارات.

كما انني اجرت جزءا من هذه الارض لميكانيكي هندي ليقيم عليه ورشة لتصليح السيارات وعلى تجارة توزيع البترول قضيت سنوات متفرغا لها الى ان كان ذلك اليوم الذي تسببت "سيجارة" كانت بفم عامل التوزيع في القضاء على كل ما بنيناه في سنوات من الكدح والعمل وكان في المحل لحظة اشتعال الحريق أربعة براميل ممتلئة بالبترول والديزل والكيروسين وبعض انواع زيوت السيارات، ولم تكن في دبي يومها غير سيارة إطفاء واحدة حينما وصلت الى مكان الحريق كان قد التهم محل توزيع البترول وورشة تصليح السيارات وما بجانبها.

 

وكان المجتمع متكافلا متعاونا فيما بين اعضائه اذا ماحلت نكبة لواحد منهم وقف الجميع بجانبه للعون والمساعدة كما حدث مثلا مع (بوم) قوم العبار الذي عرضته العواصف للغرق في عرض البحر بما على ظهره من بضائع واموال فمد اليهم المجتمع يد العون والمساعدة وكذلك كان أمر الكثيرين.

 

ولكن نكبتنا صادفت في نفس اليوم الذي تعرضت فيه إحدى بواخر الشركة الهندية البريطانية لحريق كبير بسبب ماس كهربائي كما قيل وكان على ظهرها اكثر من 600 مسافر إلى الهند.. وقد اشتعل الحريق لحظة مغادرة السفينة وعند وصولها إلى حدود منطقة الحمرية بدبي. وأذكر من ضمن ركاب الباخرة محمد عبدالله الكاز وتجار آخرين من دبي ولكونهم رجال بحر فقد تمكنوا من القفز والسباحة إلى اللنجات التي تحركت من الحمرية لإنقاذ الركاب. وأذكر من الضحايا عجيل بن ماجد بالاضافة الى العشرات من الركاب مواطني دبي والبحرين وكذلك طاقم السفينة الهنود وأتذكر أيضاً ذلك الطفل البحريني الرضيع كان عمره شهرين جاؤوا به إلى دبي وبحثوا بين الناجين من الركاب عمن يمكنه التعرف عليه ليتبين بعد ذلك أنه ابن لعائلة بحرينية لقت مصرعها في الحريق.. كما اتذكر انه حوالي 450 راكبا جاءوا بهم وأسكنوهم عدة أيام في الفندق الكبير بديرة وتولت الحكومة شؤون إطعامهم وإقامتهم.

 

ولا يزال المركب له آثار في قاع البحر حتى الآن والحادث قبل قرابة إحدى وعشرين سنة. ولذلك فقد انشغل المجتمع بمساعدة منكوبي المركب فقدرنا الظروف وتحملنا نكبتنا بصبر وإصرار على العمل لتعويض خسائرنا .. وفي تلك الفترة كنت أقيم في نفس منطقة تجارتي السابقة وقبل عشرين سنة أحلت مسكني إلى محل تجاري لبيع قطع الغيار وتطور فيما بعد ولله الحمد ليكون المحل الحالي وفروعه.

حرائق

 

  • بمناسبة الحرائق يعلن الحاج بدر قائلاً: إنه في الماضي إذا شهدت منطقة ما اشتعال حريق فإن النيران كانت تأتي على كل شيء ذلك لأن البلاد كلها سعف وماهناك وسيلة للإطفاء غير الرمال أو نزح المياه من آبار المساكن بالدلو.

 

فأذكر مثلا أن حريقاً شب ذات مرة في منزل بمنطقة سكة الخيل لتصل فريج عيال ناصر من الشمال وفريج المرر ولم تنته إلا وقد أحالت المساكن إلى رماد وفي تلك الحادثة لقي رجل أعمى مصرعه إلى جانب الحيوانات من الأبقار والأغنام.

 

كما أن حريق آخر شب ذات يوم في فريج البحارنة ببر دبي من غربي الفهيدي حيث البنك البريطاني الآن ونزلت عند حدود العبرات. وتلك حرائق مشهورة أكلت البيوت كلها إلا المبنية من "الجص" وغالبا ماكانت تعود الأسباب إلى خطأ في استعمال آلة "الجولة" التي تستعمل للطبخ والمطابخ من السعف والمرأة بمجرد أن تشاهد اشتعال النار تهرب.

سوق التمور بدبي

  • أشرت في سياق الحديث إلى تجارة التمور فهل من تجربة لكم وذكريات في هذا المجال؟

 

  • التمر كانت أكثر المواد الغذائية استهلاكا في المنطقة ولذلك فقد كانت دبي سوقا مركزيا كبيرا لتجارة التمور وعلى مستوى السنوات الثمان التي كنت خلالها صاحب محل تجاري لبيع التمور في ذلك السوق لا أذكر خور دبي هذا خلا يوماً من 4-5-6 أبوام محملة بالتمر من البصرة في العراق وخاصة في فصل الشتاء والربيع وحتى الصيف. وبالمناسبة فإن البصرة كانت تمد الخليج كله بالتمر وكذلك كان شأنها مع الهند وأفريقيا أيضاً.

 

كما كان يصلنا التمر أيضاً من إيران وكذلك من الباطنة كان يأتينا التمر "المخلدي ومن البريمي وضنك والعين كان يصلنا تمر "الفرض" والخنيزي.. ولكن ليست بكميات كبيرة .. فالاعتماد الأساسي كان على التمر البصري.

 

ولم تكن الأسعار مرتفعة إذ كانت القلة الواحدة تباع بروبية أو روبية ونصف وهي تحمل 12 مناً أي 48 كيلو جراماً. ثم صعد السعر ليصل إلى خمس وست روبيات للقلة الواحدة.

 

وكانت أكبر الكميات تباع لسفن الغوص في تلك التي كانت الكبيرة منها تحمل في كل موسم من 120 – 150 وحتى 200 قلة من التمر بينما تحمل الصغيرة منها ما بين 30 – 50 قلة.

 

وبعد مغادرة تلك السفن كانت هناك "التشاشيل" وهي القوارب الشراعية الصغيرة تحمل كميات من التمر وتعرضها للبيع في الهيرات أي المغاصات حيث تتجمع أساطيل سفن الغوص.

 

إلى جانب استهلاك الغوص كان الفرد منا حينما يبني له بيتا يصمم في غرفة نومه زاوية خاصة لحفظ (قلات التمر) تسمى ( مندبانة التمر ) ويتكفل الصيادون وخاصة أولئك العاملون في صيد "العومة" (السردين) وتجفيفها، والذين عرفت بمنطقة الجميرة في دبي النسبة الغالبة منهم.

 

ذلك لأن العاملين في البحر دائمو الشهية للأكل نتيجة لعملهم المرهق كما أن الإنسان في الماضي لم يكن يشكو سوء الهضم أو ضغط الدم. وقد كان التمر الغذاء الرئيسي للإنسان ولا يخلو منه بيت في أي وقت، وقد جرت العادة أن تدخل أي مجلس فتجد هذا (السف) في وسطه وبه التمر والذي تغطيه "المكبة" وكلما نقص زادوه وكان التمر والقهوة هما ما يكرم به زوار تلك المجالس الشعبية.

 

من الجميرة إلى ديره بحرا

 

  • لقد أشرت إلى الجميرة وتجارة "العومة" فهل من تفاصيل مزيدة لأنك من أبنائها؟

 

هذه التجارة تعاطيتها ايضا فترة من الزمن ولكني كنت فيها صاحب وسيلة نقل ما بين الجميرة ودبي ذلك لأن عملية الانتقال من الجميرة الى دبي كانت بحرية وصعبة وتستغرق 3 ساعات خاصة إذا كانت الرياح معاكسة لنا. وقد كان السوق في ديرة ودبي وسكان الجميرة وأم سقيم يعتمدون في شراء احتياجاتهم من ذلك السوق وفيه أيضاً يبيعون حصيلتهم من "العومة" خاصة، لذا فإن غالبية مواطني الجميرة كانوا يمتلكون (شواحيف) يبحرون بها إلى السوق ومن لا يمتلك وسيلة خاصة به فإنه يستعين بجاره. وفي صباح كل يوم تدفعها إلى دبي رياح الكوس والمجاديف أحياناً حتى تصل الى الخور عند رأس الشندغة ثم إلى سوق البطين حيث البيع والشراء ثم العودة بالهوى "البحري" و"العرِّيض" (أسماء الرياح) من الغرب.

 

ويتذكر الحاج بدر بعض تجار "العومة" في دبي الذين هم عبدالله قايد أهلي وخليفة بن سلطان بن حبتور وقوم بالكيزي والسيد أحمد ومحمد تقي وميرزا وغيرهم. أما الصيادون فالاغلب من الجميرة والبعض من مواطني الخان بالشارقة وأيضا بعضهم من أهالي فريج عبيد بديرة.

 

وعلى ذكر البحر يستعيد الرجل ذكريات تلك الأيام التي كان فيها طالبا بمدرسة الأحمدية شتاءً ومرافقا لوالده في رحلات الغوص صيفا ومنذ أن كان في الثانية عشرة من العمر ولمدة 14 سنة متواصلة بعد ذلك كغيص ونوخذة في نفس الوقت.

 

ويقول.. يومها كنا نسكن "الراس" ومن ثم فريج "الضغايه" قرب سوق السمك الحالي، وقد كانت هذه مكشوفة حيث لا موانئ ولاحواجز لذا فإن أبسط هبة للرياح كانت تدفع بأمواج البحر إلى بيوت أهالي منطقة "الشندغة" وكانت عملية الانتقال بعيدا عن الساحل يسيراً حيث كانت تنعدم المواصلات وحيث الارتباط بالبحر ومركزية السوق والأعمال.

وقد كانت هناك محاولات يائسة من الأهالي لحماية أنفسهم بوضع أكياس من الرمال حول مساكنهم لكن قوة الأمواج كانت أشد صرامة ولم تكن هناك قدرات وإمكانيات لبناء سدود اسمنتية صامدة.

 

فيما بعد دفعت تلك المتاعب الكثيرين للانتقال والانتشار في مناطق أخرى فتحولنا نحن إلى جميرة بينما آخرون إلى فريج المرر وهكذا.

التجارة حرية

 

وبالرغم من تلك الظروف إلا أن حياتنا في الماضي كانت "زينة وطيبة" والبلاد خفيفة ماعندنا أجانب أو مخالطات ولاعندنا الكدر وعوامله.

 

ولم نكن نتوقع أن دبي ستكون لها هذا المستقبل المزدهر ولو توقع الأولون ذلك لبنوا بيوتاً ومخازن من ذهب فلقد مر زمن كان الذهب خلاله في دبي كثير التوفير والمداولة، وكان النوخذة يأتي للغيص ويعرض عليه الانضمام للعمل على ظهر "محمله" فيطلب البحار 200 روبية مثلا فيخيّره النوخذة بين الروبيات وبين جنيهات الذهب فيختار الأولى لكونها ثابتة القيمة اما الاخرى فيأخذها ب 12 جنيها وفي حالة الاستبدال يخسر نصف جنيه، لذا كان النواخذة يكدسون الذهب ويمتلكونه  بكثرة وكانت المرأة حين تفتح صندوقها الخاص وتخرج "طاسة" الذهب تعجز عن حملها لكونها مليئة بمنين  - 3 أمنان من الذهب (مرتعشة ومرية وشناف ومراصغ) وغيرها من الأنواع.

 

  • ويبقى أخيراً ان نعرف رأي الحاج بدر عبيد البدور في العمل التجاري بعد تجربة العمر الطويلة والمتنوعة والمتواصلة في هذا المجال؟

  • التجارة أربح من كل شيء وفيها يكون الإنسان حراً وطليقاً من كثير من القيود.. وعنها يقول الشاعر :

حلَبتُ أشطر َهذا الدهر تجربة

وذقتُ مافيه من مرٍّ ومن عسلِ

فما وجدتُ على الأيام باقية

أشهى على النفسِ من حرية العملِ

 

والتاجر بعكس الموظف المقيد بالوقت أو بالإيجار ومهما بلغ دخل الموظف من قيمة فإنه لا يشبع استهلاكه اليومي.

 

ولكن للتجارة أيضا متطلباتها من الضوابط والالتزام. ولهذا فإن أكبر أبنائي الذي تخرج من إحدى الجامعات متخصصا في التجارة لم أنصحه بخوض مجال التجارة مباشرة بل دفعته إلى الوظيفة حيث قيود الالتزام والحرص والضبط والربط ليكتسب خبرة ومزيداً من المحاسبة والإدراك.

bottom of page