top of page
Book Cover-Khalid Albudoor.jpg

سُحُبٌ

 

سُحُبٌ

سُحُبٌ كثيرةٌ مرَّت

فوقَ تلكَ الشّجرةِ

ولازلْتَ أنتَ صغيراً

تلـْهو

قربَ البئر.

 

ليلةٌ باردة

 

هل حانَ وقتُ العشاءِ

مِصباحُ الغازِ لازالَ مُطفأً

فوالدُكَ لم يعُد بعدُ مِنَ المسجِد

ريحٌ شماليةٌ عاتِيةٌ

في ليلةٍ موحِشة

أنتَ ترتجفُ وحيداً تحتَ اللِّحافِ

والنخلةُ وسْطَ البيتِ تكادُ

تهوي.

 

نِصفُ نهارٍ

 

مَرَّ نصفُ نهارٍ

لم تَتَبقَّ ظِلالٌ

أَفيءُ إليها

الشّمسُ تصعَدُ مِعراجَها

ويومي

طويل

 

سهوٌ

 

وجوهٌ كثيرةٌ

زارتْني هذا الصباح

تبينتُ بينها

وجهَ طفلٍ محمولٍ

على كَتِفِ أبيهِ

يمُدُّ يدَيهِ إلى بلَحِ النّخلةِ العاليةْ

وجهٌ

أعرِفهُ جيّداً

كيفَ

             نسِيتُهْ؟!

 

الكثيب

متى؟

قُلْ لي متى سنذهبُ

كي نَتدحْرجَ

فوقَ ذاكَ الكثيبِ؟


 

ما قالته مريم 

 

«في أحد الأيّامِ، هذا حدَثَ فعلاً؛ رنَّ الهاتفُ وجاءَ صوتٌ لا أعرِفُه:

كيف أنت يا شيخُ يوسُفُ؟ 

حدثَ هذا بينما كنتُ أعبثُ بالقلمِ في ورقة، ودونَ انتِباهٍ كنتُ أكتُبُ حروفَ اسم 

"يوسُفَ". 

ويوسُفُ رجلٌ فقيرٌ كان يسكُنُ معَ امْرأتِهِ مريمَ، بجوارِ مَنزِلِنا القديمِ حينَ كنْتُ طِفلاً. 

قال المتّصلُ: عُذراً، أليس هذا هاتفَ يوسُفَ؟ لم أعرِفْ بماذا أرُدُّ وبقيْتُ صامِتاً …»

 

سيَفتَحُ البابَ يوسُفُ

أتذكّرُ وجْهَهُ الأبيضَ

وأَذْكُرُ مريمَ

أَجري إليهِ حينَ يخرُجُ صُبحاً

يُناوِلُني قِطعةَ حَلوى

مِنَ الكيسِ فوقَ الحِمارَة.

 

قالتْ لي مريمُ عنْ يوسُفَ:

عَذَّبَ نَفسَهُ طويلاً

حتّى ماتَ

حِمارَتُهُ ماتَتْ كذلكَ

بعدَما ذَرعَتِ الحيَّ لِسنينَ

يا ولدي عذَّبَ نفسَهُ صباحَ مساء.

 

بعدَ أعْوامٍ 

لَحِقَتْهُ مريمُ

بيتُهما آلَ للهَدمِ

بعدْما سكنتْهُ عائلةٌ

لانعرفُ مِن أينَ جاءت.

 

سمِعْنا الجَرّافَاتِ

تُهاجِمُ جُدرانَهُ ذاتَ مساءٍ 

والأحجارُ تتساقطُ

تَهاوتِ النّخلةُ الطّويلةُ

وعندَ الصّباحِ

لم نرَ سِوى الحُفَرِ وبقايا الصُّخورِ

بَعدَها بِيعَتِ الأرْضُ

لِمجهول.

 

لم يَتَبقَّ سِوى صوتِها

يعودُ صَداهُ بينَ حُلمٍ وآخرَ

ما قالتْهُ مريمُ عنْ يوسُفَ

الذي عذَّبَ نفسَهُ 

طَويلاً

حتّى

مات.
 

نَمْ

 

 

نَمْ

نَمِ الآنَ

قالَت لَهُ أمُّهُ

عادَ الجميعُ لبُيوتِهم

والشّمسُ تغرُبُ

نَمْ

لا يَنهضُ سِوى الجِنِّ

في هذهِ الأنْحاءِ.

 

صارَ لَديكَ ما يَكفي

 

                        إلى أحمد راشد ثاني

صارَ لديْكَ الآنَ ما يَكفي

مِنَ اللّيلِ

اللّيلُ كلُّه.

 

صارَ لديْكَ الوقْتُ

لِهَجْرِ الكُتُبِ والثّرثراتِ

تُرابِ الحياةِ القصيرةِ

هجْرِ قاربِ والدِكَ فوقَ الشّاطِئِ

قبلَ وِلادَةِ الشّمسِ خلْفَ جبالِ "خورفكان"

وأَدْخِنةِ المُدنِ الصّحْراوِيّةِ

صار لديْكَ الوقتُ لقَتْلِ الألمِ

الضّارِبِ في رَملِ القلبِ

لتَركِ الجَسدِ البُنّيِّ النّاحِلِ

للتَّرْحالِ إلى كوكبِكَ الشِّعريِّ

حيثُ اللّاشيءُ هو

كلُّ شيءٍ

حيثُ ساحراتُ خُرافاتِ أمِّكَ

لازِلْنَ يَجلِبْنَ الماءَ مِن نبْعِ "وادي شِي".

أَتذكُرُ ذاكَ الواديَ؟

حيثُ أنفَقْنا اللّيلَ كُلَّهُ

نَتجادلُ دُونَ نِهايةٍ

في سببِ تَسْميةِ بقَّالةٍ في الطّريقِ

باسم «بقّالةِ الرِّدّةِ»

بقُرْبِ المَقْبرةِ العتيقةِ لفُلولِ الخَوارجِ

كان ذاكَ 

ذاتَ ظَهيرةِ يومٍ خَريفيٍّ

بعدما طَردَتْنا أمُّكَ 

مِن غُرفتِكَ المُكْتظّةِ كُتُباً

فهرَبْنا باحِثينَ عن مَوضِعٍ لقَيلولةٍ بارِدة.

صارَ لديْكَ الآنَ ما يَكفي مِن ماءِ البحرِ

كيْ تَغمُرَ رأسَكَ 

أو لعلّكَ

تَتوسَّدُ إِحدى المَوجاتِ كي تَستريحَ

قبلَ مَسيرِكَ

لسِقايةِ حديقةِ أَحلامِكَ

الّتي لم تَتحقّقْ.

صار لديْكَ الآنَ

ما يَكفي مِنَ اللّيلِ

يا صاحبي

لِهَجْرِ صُداعِ القصائِدِ

لتُريحَ رأسَكَ مِن كلامِ الْحياةِ المُمِلِّ

لتَسكُنَ في الصَّمتِ

ثمّ تَنام.

 

مُنذُ أيّامٍ

 

منذُ أيّامٍ

والرّافعةُ تَثقُبُ الأرْضَ

بعَمودِها الحَديديِّ قُربَ البيتِ

لِبِناءٍ جديدٍ

مُنذُ أيّامٍ يُوقِظُنا في الفجْرِ

طَنينٌ

يَملأُ فضاءَ الغُرفةِ

ويَهُزُّ الجُدرانَ.

 

 

مُنذُ أيّامٍ

نَلمَحُ الرّافعةَ

مِن نافذةِ غُرفةِ النّومِ

ونُفكِّرُ 

في

أشجارِنا.

 

الحديقة

 

تَلاشى النّهارُ مِنَ السَّماءِ

وَقْتَ قصَدَ الحديقةَ.

ستَأخُذُهُ صَوبَها طُرُقاتٌ مُلْتوِيةٌ

سارَ

حدّثَ نفسَهُ عنِ النُّزهةِ القادِمةِ

كم هو رائعٌ 

أنْ أتَنفّسَ قُربَ الشَّجرِ.

 

هذه عَرَباتٌ فارِهةٌ تَصهَلُ

تاركةً خلفَها رِياحاً حارِقةً

تلْفَحُ الوَجْهَ.

 

لم يَعُدْ يرى الأُفُقَ كما كان يراه مِن قبلُ

دَفعَ الجَسَدَ رَغْمَ وَجعِ السّاقِ

وسْطَ ضبابِ أْيلولَ

ومشى.

 

بعدَ أقلَّ مِن ساعةٍ 

تَوقّفَ 

كانَ يلهَثُ 

وكانَ المساءُ ثَقيلاً 

قُربَ جِدارِ

الحديقة.

bottom of page